لطالما شكلت عملية التعلم تحدياً كبيراً للمعلمين والمؤسسات التعليمية، فكيف يمكن جذب انتباه الطلاب وإشراكهم بفاعلية في العملية التعليمية؟ لعل أبرز ما قدمته الاتجاهات التربوية الحديثة هو مفهوم التعلم النشط الذي يحول دور المُتعلم من مُتلقي سلبي إلى محور أساسي في عملية التعلُم، وقد أثبتت العديد من الدراسات فاعلية تطبيق أنواع استراتيجيات التعلم النشط في تنمية مهارات الطلاب وخلق بيئة صف إيجابية.
مفهوم التعلم النشط
التعلم النشط هو أسلوب تعليمي يركز على دور المتعلم كمحور أساسي في العملية التعليمية، بحيث يكون المتعلم مشاركاً إيجابياً وفاعلاً في بناء معارفه ومهاراته بدلاً من اعتماد دوره كمتلقي سلبي للمعلومات، ويعتمد أسلوب التعلم النشط على تنويع الأنشطة والخبرات التعليمية التي تراعي الفروق الفردية بين المتعلمين، وتستثير دافعيتهم نحو التعلم، وتشجعهم على المشاركة الإيجابية داخل غرفة الصف.
استراتيجيات التعلم النشط
استراتيجيات التعلم النشط هي مجموعة الطرق والأساليب التي يتبعها المعلم لتحفيز المتعلمين وإثارة دافعيتهم ومشاركتهم الإيجابية في عملية التعلم، وذلك عن طريق مشاركتهم في أنشطة وخبرات متنوعة بدلاً من اعتماد دورهم كمتلقيين سلبيين للمعلومات.
وتركز هذه الاستراتيجيات على جعل دور المتعلم محورياً في العملية التعليمية، بحيث يتفاعل ويشارك بإيجابية في بناء معرفته ومهاراته، ولا يقتصر دوره على الاستماع والتلقي فقط، وتندرج تحتها مجموعة كبيرة من أنواع استراتيجيات التعلم النشط المختلفة.
أنواع استراتيجيات التعلم النشط وكيفية تطبيقها
تعد استراتيجيات التعلم النشط من أهم الاتجاهات التربوية الحديثة التي تساعد على تحسين عملية التعليم والتعلم وجعلها أكثر فاعلية وتشويقًا، ويتحقق ذلك من خلال تنويع الأنشطة التعليمية داخل الفصل، واستخدام طرق تدريس تركز على دور المتعلم كمحور أساسي في العملية التعليمية، لأن الانتقال من التعلم السلبي إلى التعلم النشط يتطلب جهودًا منظمة من قبل المؤسسات التعليمية والمعلمين، لكنها جهود ضرورية لتحسين نوعية التعليم ومخرجاته بما يتناسب مع متطلبات العصر، ومن أنواع استراتيجيات التعلم النشط ما يلي:
استراتيجية حل المشكلات
تعتمد استراتيجية حل المشكلات على تشجيع المتعلمين وتدريبهم على التفكير الناقد والإبداعي من خلال مواجهتهم بمشكلات واقعية والعمل على إيجاد حلول لها، ويمكن للمعلم تطبيق هذه الاستراتيجية وفقًا للخطوات التالية:
- طرح مشكلة واقعية ذات صلة بحياة المتعلمين وخبراتهم.
- شرح المشكلة بالتفصيل وتحديد النقاط، والمتطلبات الأساسية لحلها.
- تقسيم المتعلمين إلى مجموعات صغيرة للعمل على حل المشكلة.
- تشجيع المتعلمين على توليد أكبر قدر ممكن من الحلول المحتملة، ومناقشتها فيما بينهم.
- اختيار أفضل الحلول ووضع خطة عمل لتنفيذها وحل المشكلة.
- متابعة تنفيذ الحل وتقييم مدى فاعليته في الوصول للنتائج المُرجوة.
وبهذه الطريقة يتم تنمية مهارات التفكير الناقد وحل المشكلات لدى المتعلمين.
اقرأ أيضا: طريقة التحضير الحديثة للدروس تعريفها وأهم تطبيقاتها
استراتيجية القبعات الستة للتفكير
تعتمد استراتيجية القبعات الست للتفكير على استخدام ست قبعات ملونة كل منها يمثل نمط معين من التفكير، ويتم تطبيقها كالتالي:
- يطلب المعلم من الطلاب وضع قبعة بيضاء للتفكير بموضوعية وجمع الحقائق والمعلومات.
- ثم يطلب منهم وضع قبعة حمراء للتفكير العاطفي وإبداء ردود الفعل والمشاعر تجاه الموضوع.
- بعدها يرتدون القبعة السوداء للتفكير السلبي ونقد الموضوع وإبراز السلبيات والمخاطر.
- ثم تأتي القبعة الصفراء للتفكير الإيجابي وطرح الآراء المفيدة والبدائل الممكنة.
- ويليها القبعة الخضراء للتفكير الإبداعي واقتراح أفكار جديدة.
- وأخيراً القبعة الزرقاء للتفكير الشامل واتخاذ القرارات.
وبهذا يتم تنمية مهارات مختلفة للتفكير من خلال هذه الاستراتيجية.
استراتيجية الخرائط الذهنية
الخرائط الذهنية إحدى استراتيجيات التعلم النشط التي تعتمد على تنظيم المعلومات والأفكار حول موضوع معين على شكل خريطة توضح العلاقات والروابط بين العناصر المختلفة، ويمكن تطبيقها في العملية التعليمية من خلال الخطوات التالية:
- يحدد المعلم الموضوع الذي سيتم عمل خريطة ذهنية حوله.
- يطلب من الطلاب كتابة جميع الأفكار والمفاهيم المرتبطة بالموضوع على شكل قائمة.
- بعد ذلك يتم تنظيم تلك الأفكار والمفاهيم على شكل خريطة ذهنية بحيث تربط بين العناصر ذات الصلة.
- يضع المعلم الفكرة الرئيسية أو الموضوع في وسط الخريطة، ثم تتفرع منها الأفكار والمفاهيم الفرعية.
- يمكن استخدام الألوان والصور والرسومات لتوضيح الخريطة الذهنية.
- عرض الخرائط الذهنية، ومناقشتها مع الطلاب في الفصل.
وهكذا تساعد الخرائط الذهنية الطلاب على تنظيم المعلومات بشكل مرتب وهيكلي، وفهم العلاقات بين الأفكار المختلفة بصورة أفضل.
استراتيجية الحوار والمناقشة
تعتمد استراتيجية الحوار والمناقشة على إتاحة الفرصة للمتعلمين للتحاور وتبادل الآراء والأفكار بشأن موضوع معين، بهدف تنمية مهارات التفكير والتواصل لديهم، ويمكن للمعلم تطبيق هذه الاستراتيجية من خلال الخطوات التالية:
- طرح أسئلة عامة حول الموضوع لجذب انتباه المتعلمين وتشجيعهم على المناقشة والحوار.
- تقسيم المتعلمين إلى مجموعات صغيرة لمناقشة جوانب محددة حول الموضوع.
- تشجيع الطلاب على تبادل وجهات النظر واحترام الآراء المختلفة.
- تدوين النقاط والأفكار الرئيسية على السبورة أثناء المناقشات.
- متابعة المعلم للمناقشات وتوجيهها نحو الأهداف التعليمية دون فرض وجهة نظره.
- تخصيص وقت في النهاية لتلخيص أبرز النقاط والاستنتاجات.
وهكذا تساعد هذه الاستراتيجية المتعلمين على تنمية مهارات الاتصال، والتفكير الناقد من خلال الحوار البناء حول الموضوعات التعليمية.
استراتيجية الإكتشاف
استراتيجية الاكتشاف هي إحدى طرق التدريس التي تقوم على تشجيع المتعلمين وتحفيزهم على البحث والاستقصاء والتوصل إلى المعرفة والمعلومات بأنفسهم، بدلاً من تلقينهم إياها بشكل مباشر من المعلم، ويمكن تطبيقها من خلال:
- طرح أسئلة تحفز على البحث والتقصي.
- تقديم مشكلات وتحديات تستدعي البحث عن حلول.
- توفير الأدوات والمصادر اللازمة لعملية الاستقصاء.
- تقسيم المتعلمين إلى مجموعات صغيرة للعمل بروح الفريق.
- تشجيع المتعلمين على جمع المعلومات، وتحليلها واستنتاج النتائج.
- توجيه المتعلمين وفق الحاجة دون إعطاء إجابات مباشرة.
- تخصيص وقت كافي للمتعلمين للتوصل إلى المعرفة بأنفسهم.
- مناقشة النتائج مع المتعلمين وتعزيز الاستنتاجات الصحيحة.
هذه الاستراتيجية تنمي مهارات البحث والاستقصاء والتعلم الذاتي لدى المتعلمين.
استراتيجية التعلم الذاتي
التعلم الذاتي هو أسلوب يقوم فيه المتعلم بإدارة تعلمه بنفسه بدلاً من الاعتماد الكامل على المعلم، ويمكن تطبيق هذه الاستراتيجية من خلال:
- تزويد المتعلمين بالأهداف التعليمية بوضوح.
- شرح خطوات وأساليب التعلم الذاتي المناسبة للمحتوى التعليمي.
- تقديم التوجيهات والنصائح حول كيفية البحث عن المعلومات وتقييم مصادرها.
- تشجيع المتعلمين على وضع خطة وجدول زمني للتعلم الذاتي.
- توفير الأنشطة والمواد التعليمية اللازمة للتعلم الذاتي.
- تقسيم المحتوى إلى وحدات صغيرة يسهل على المتعلم استيعابها.
- متابعة تقدم المتعلمين وتقديم المساعدة والتوجيه عند الحاجة.
- تقييم مدى تحقق أهداف التعلم الذاتي.
وهكذا يصبح المتعلم مسؤولاً عن تعلمه، ونشطًا في عملية اكتساب المعرفة والمهارات.
استراتيجية التعلم التعاوني
التعلم التعاوني هو إحدى استراتيجيات التعلم النشط التي تقوم على تقسيم المتعلمين إلى مجموعات صغيرة يعمل أفراد كل منها مع بعضهم بشكل تعاوني لإنجاز مهمة أو نشاط تعليمي، ويمكن تطبيقها من خلال الخطوات التالية:
- تحديد المهمة أو النشاط التعليمي المراد تنفيذه بشكل تعاوني.
- تقسيم المتعلمين إلى مجموعات صغيرة متجانسة في المستوى والقدرات.
- شرح المهمة وخطوات العمل وتوزيع الأدوار بين أفراد كل مجموعة.
- تشجيع أفراد المجموعة على التعاون فيما بينهم وتقديم المساعدة لبعضهم البعض.
- متابعة وتوجيه كل مجموعة أثناء تنفيذ المهمة.
- تقييم مدى تحقق الهدف التعليمي من النشاط التعاوني.
- تقويم أداء المجموعات وتقديم التغذية الراجعة.
وهكذا يتعلم الطلاب التعاون والعمل الجماعي، بالإضافة لتحقيق الأهداف التعليمية.
اقرأ أيضا: كيفية تحضير الدرس في دفتر التحضير-شرح لأهم الخطوات
استراتيجية العصف الذهني
تعتمد استراتيجية العصف الذهني على تحفيز المتعلمين وتشجيعهم على طرح أكبر قدر ممكن من الأفكار والحلول حول موضوع ما، وذلك من خلال الخطوات التالية:
- يطرح المعلم موضوعاً أو مشكلة معينة تحتاج إلى حلول أو أفكار جديدة.
- يُطلب من الطلاب ذكر وكتابة أكبر عدد ممكن من الأفكار أو الحلول، دون تقييم أو نقد الأفكار في هذه المرحلة.
- يشجع المعلم المتعلمين على التفكير العصفي خارج الصندوق، وطرح أي أفكار بغض النظر عن مدى غرابتها أو قابليتها للتنفيذ.
- بعد جمع الأفكار يقوم المتعلمون بمناقشتها وتحليلها، واختيار الأفكار الأكثر جدوى وإمكانية للتنفيذ.
- وأخيراً يتم تلخيص وتقييم الأفكار والخروج بحلول مجدية للمشكلة المطروحة.
هذه الاستراتيجية تُعزز الإبداع والتفكير خارج الصندوق لدى المتعلمين عند مواجهة المشكلات.
استراتيجية لعب الأدوار
لعب الأدوار هي إحدى استراتيجيات التعلم النشط التي تعتمد على تمثيل المتعلمين لبعض المواقف أو الأحداث ذات الصلة بالموضوع التعليمي من خلال توزيع الأدوار بينهم ومطالبتهم بالتصرف وفقًا لهذه الأدوار، ويمكن تطبيقها وفق الخطوات التالية:
- اختيار موقف أو حدث يصلح لتمثيله من قبل المتعلمين.
- تحديد الأدوار المناسبة وتوزيعها على المتعلمين.
- شرح المواقف والأدوار بالتفصيل للطلاب.
- إعطاء وقت كافي للطلاب لفهم الأدوار والاستعداد لتمثيلها.
- تنفيذ النشاط وتمثيل الموقف أمام باقي الطلاب.
- إدارة نقاش بعد التمثيل لتقييم التجربة وربطها بالجوانب التعليمية.
- ربط أحداث ونتائج التمثيل بالمفاهيم والأهداف التعليمية.
وبهذا يتمكن المتعلمون من فهم الموضوع بعمق من خلال تجسيد المواقف عمليًا.
كيف أدعم التعلم النشط في صفي؟
إليك بعض النصائح لدعم التعلم النشط في الصف:
- قم بتنويع طرق التدريس باستخدام استراتيجيات مثل المناقشة والعمل الجماعي والعصف الذهني وغيرها.
- شجع الطلاب على طرح الأسئلة والمشاركة بآرائهم بحرية أثناء الدرس.
- استخدم أساليب تقويم بديلة كالملاحظة والمشاريع العملية بدلاً من الاختبارات فقط.
- قم بتكليف الطلاب بأنشطة تتطلب البحث والاستقصاء وحل المشكلات.
- شكل مجموعات تعاونية صغيرة لزيادة مشاركة جميع الطلاب.
- عدل بيئة الصف لتسمح بالحركة والنشاط بدلاً من الجلوس السلبي.
- كن مرناً واسمح للطلاب بالمشاركة في اتخاذ بعض القرارات الصفية.
- كافئ مبادرات ومشاركات الطلاب الإيجابية بشكل مستمر.
- كن قدوة إيجابية لطلابك من خلال حماسك للتعلم.
- ابقِي روح المَرح والتشويق أثناء الدرس.
من خلال ما سبق يتضح أن استراتيجيات التعلم النشط تتميز بتنوعها وقدرتها على جعل المتعلم محور العملية التعليمية وتفعيل دوره بإيجابية، وتساهم هذه الاستراتيجيات في تنمية مهارات التفكير العليا والتعاون والاتصال لدى المتعلمين، وكذلك زيادة دافعيتهم نحو التعلم.